١٩ نوفمبر ٢٠٠٨

«بيت الموسيقى» يوسّع الآفاق لأطفال فلسطين... غرباً

وليد ياسين
عندما تدخل منزل المواطن زهر الدين سعد، في قرية المغار تخال نفسك عند مدخل دار للاوركسترا أو معهد موسيقي صغير. أبناء زهر الدين الأربعة، عمر (13 سنة) ومصطفى (11 سنة) وطيبة (10 سنوات) وغاندي (9 سنوات)، وهبهم الله نعمة عشق الموسيقى وملأ صدورهم بأشجانها، فاختار كل واحد منهم آلته المحببة، وانطلقوا جميعاً يعزفون مقطوعات موسيقية تجعلك تنتشي طرباً على أنغام الآلات التي استسلمت لأنامل الأشقاء الأربعة. والأربعة يدرسون العزف في «بيت الموسيقى» القائم في مدينة شفاعمرو، التي تبعد مسافة سفر ساعة على الأقل من قريتهم. ومع ذلك، تجدهم يبكرون في الاستيقاظ صباح كل احد، ليتوجهوا إلى المعهد، بشغف العاشق «لتلقي مزيد من رشفات الحب»، كما يقول والدهم، مضيفاً: «أصبحت الموسيقى تشكل الغذاء الروحي لأبنائي. الله أنعم علي بأربعة موهوبين أتوقع لهم مستقبلاً مشرقاً». ويعتز سعد بتميز ابنه مصطفى في العزف على الآلات الوترية، وهو حائز «جائزة مارسيل خليفة» لأبناء جيله، في المسابقة التي نظمها «معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى» في القدس، في تموز (يوليو) الماضي. ويكاد مصطفى يطير فرحاً وهو يتحدث عن مشاركته بعد فوزه بالجائزة، في الحفلة التي أقيمت في «قصر الثقافة» في رام الله، لتوزيع الجوائز على الفائزين، وقدم معزوفة. ويذكر الفتى أنه عشق الموسيقى منذ طفولته، ووجد تجاوباً كبيراً من والديه، ما شجعه على مواصلة الطريق. وهو يحلم بتحقيق «مجد» في عالم الموسيقى ويؤمن بأن الموسيقى، ستشكل مصدر رزق له ولأشقائه. وبحماسة مصطفى، يتحدث الطالب الجامعي سعيد سلباق، من مدينة شفاعمرو، الذي تخرج من بيت الموسيقى والتحق بمعهد عال للموسيقى لاستكمال دراسته الجامعية. بدأ سعيد دراسة الموسيقى، منذ كان في السادسة من عمره. وحين بلغ الثالثة عشرة التحق بـ «بيت الموسيقى» واستمر فيه، حتى اجتاز امتحانات الشهادة التوجيهية. ويقول: «منذ صغري، كنت اعزف على البيانو قبل دراسة أصول العزف. وحين التحقت ببيت الموسيقى، توسّعت آفاقي، وتعزّز حسي الموسيقي. ويمكنني أن أقول اليوم إنني لا أطيق العيش من دون موسيقى». يلفت سعيد إلى أن عائلته دعمته بكل قواها، وهي تواكب مسيرته باهتمام كبير، «لا بل حين كانوا يشعرون بأنني أميل إلى التخلي، كانوا يدفعونني إلى المواصلة». وهو ينتقد بشدة قلة الاهتمام بالموسيقى في المنهاج التعليمي الرسمي، الذي ينقطع بعد الصف السادس ابتدائي. ويقول انه يتحتم على المدارس العربية بخاصة، ان تعمل على تقريب الطلاب من الموسيقى، فناً وعلماً، من خلال منهاج دراسي، أو على الأقل، من خلال نشاطات موسيقية. ولا يخاف الشاب من المستقبل المهني، بل يصرّ على أن ما لمسه من اهتمام بالموسيقيين الشبان أمثاله، وان كان ليس كافياً، يجعله يثابر وينشد التعمق في هذا المضمار. جمعيّة «بيت الموسيقى» تأسست في مدينة شفاعمرو، في 1999، بمبادرة من الموسيقي عامر نخلة ومجموعة موسيقيّين محترفين جمعهم السعي إلى خلق إطار مهني لتعليم الموسيقى. وذلك بهدف سدّ الفراغ في هذا المجال الفني، داخل المجتمع الفلسطيني في منطقة 48. ويُعتبر المعهد الإطار الموسيقي الأكاديمي الوحيد الخاص بالأقليّة الفلسطينيّة في الداخل. وهو المعهد العربي الأوّل الذي حصل على اعتراف رسمي من وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية. ويعتز عامر نخلة بمساهمة معهده في تغيير نظرة المجتمع إلى الموسيقى وفنونها، وبانتزاعه اعترافاً محلياً ودولياً، جعل منه مركزاً حيوياً نابضاً بالنشاطات. ويقول: «المعهد نجح في إدخال الموسيقى إلى المجتمع الفلسطيني بمفهومها العلمي، فلم تعد مجرد هواية يلجأ إليها الطالب في ساعات الفراغ، وإنما باتت موضوعاً علمياً له قيمته ووزنه في حياة طلابنا». ويرى نخلة ان الموسيقى تجذب الأطفال منذ الصغر، ومن يحظى بالاهتمام والرعاية يحقق النجاح، ويضيف: «نحن نلمس في معهدنا مدى اهتمام الأهالي بأبنائهم وبناتهم، بدليل قدومهم من قرى تبعد عشرات الكيلومترات عن شفاعمرو». ويشير إلى أن المجتمع الفلسطيني في الداخل، يفتقر إلى أطر تحمي الأطفال وتوفر لهم نشاطات تربوية وثقافية. وقد وجد كثير من الأهالي في «بيت الموسيقى»، الإطار المناسب لتنمية قدرات الأبناء «ونحن نعتز بأن المعهد يضم طلاباً من مختلف مناطق الجليل». ويتمنى نخلة ان يتمكن الموسيقيون الصغار وشبان المستقبل من التواصل مع أترابهم في العالم العربي، «فمجال التطور للموسيقي الفلسطيني هنا، محدود جداً. لكننا،على رغم كل ذلك، يجب ان لا نيأس وان نواصل السعي إلى فتح أبواب العالم العربي أمام موسيقيينا، مثلما نجحنا في فتح أبواب أوروبية».

ليست هناك تعليقات:

اعلانكم مضمون في الديرة

اعلانكم مضمون في الديرة
elderah@gmail.com